إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية. عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة)
مجموعة محاضرات ودروس عن رمضان
14503 مشاهدة
السلف وكثرة الصدقات حال صيامهم

وأما هديهم في الصدقات فقد عرف عنهم -رضي الله عنهم- أنهم كانوا يؤثرون على أنفسهم كما مدحهم الله، مدح الله تعالى الصحابة بقوله تعالى: وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ونزلت هذه الآية في أحد الصحابة؛ في صحابي يقال له: أبو طلحة في قصته لما أنه أخذ ضيف النبي -صلى الله عليه وسلم- ليعشيه، فقال لامرأته: هل عندك من طعام؟ فقالت: ما عندي إلا عشاء صبيتي؛ فقال: نوِّميهم إذا طلبوا الطعام، ثم إذا جاء ضيفنا وبدأ يطعم فأطفئي السراج وأوهميه أنا نأكل. فقدموا إليه عشاءهم وعشاء صبيتهم، ثم أصبحوا وقد نزلت هذه الآية: وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ولا شك أن هذا من الإيثار بما كانوا يجدونه، وقد عمل بذلك أيضا خلق كثير.
وفي الإيثار في هذا الشهر ذكر ابن رجب أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- إذا صام لا يفطر إلا مع المساكين، فإذا منعه أهله لم يتعش تلك الليلة، إذا منعوه أن يفطر مع المساكين. وكذلك ذُكر أنه طرق بابه مرة سائل فأخذ حظه من العشاء، وذهب به إلى السائل، وأعطاه السائل، ورجع إلى أهله وقد أكلوا بقية العشاء، فبات طاويا وأصبح صائما.
وكان كثير منهم يصومون تطوعا ويخفون صيامهم، فكان أحدهم إذا خرج إلى محل عمله ..حرفته أو نحوها خرج معه برغيفين، فأهله يعتقدون أنه أكلهما فيتصدق بهما، وأهل السوق يعتقدون أنه قد أكل في بيته، فيمسك نهاره ولا يشعر أحد أنه صائم، مخافة أن يفتخر بصيامه، أو أن يتمدح به.
وهكذا أيضا ذكر ابن رجب أن كثيرا من السلف كانوا يطعمون إخوانهم الحلوى وأنواع المأكولات الشهية وهم صيام، وكان أحدهم يقدم لتلامذته الطعام ويقف يُروِّحهم وهو صائم، وهم يأكلون، يروحهم يعني: يستعمل المروحة اليدوية عليهم، حتى لا يحسوا بحر في شدة الحر ونحوه، وكثير منهم إذا طرق الباب سائل وقال: من يقرض الولي الغني؟ يقول: عبده المعدم من الحسنات. فإذا خرج وأعطاه ما عنده بات طاويا.
هكذا كانت حالتهم في أنهم يتصدقون بما يقدرون عليه، يقول ابن رجب -رحمه الله- بعدما ساق هذه الأمثلة: سلام الله على تلك الأرواح، رحمة الله على تلك الأشباح، ما مثلنا ومثلهم إلا كما قال القائل:
نزلـوا بمكـة فـي قبائل هاشم
ونزلـت بـالبيداء أبعـد مــنزل
يمثل أن أهل زمانه بالنسبة إلى أولئك السلف رحمهم الله تعالى مثل من نزل بوسط مكة وبين بني هاشم، ومن نزل في البيداء أي: في المكان البعيد، البيداء التي تبعد عن مكة نحو ثلاثمائة كيلو أو مائتين؛ تلك البيداء، واستشهد أيضا مرة بقول الشاعر:
لا تعـرضن بذكرنـا عـن ذكرهـم
ليـس الصحيح إذا مشـى كالمقعـد
أي: لا تعرض بذكرنا عندهم فإننا لن ندركهم، هذا وهو في زمن ليس مثل زماننا، زماننا قد اشتدت فيه غربة الإسلام، وقل فيه من يقتدي بأولئك السلف الأعلام.
ولكن بكل حال لا نعدم -إن شاء الله- من يقتدي بقدر جهده بما أعطاه الله تعالى بأولئك السلف الصالح، سواء في أعمالهم المفروضة أو المستحبة أو ما أشبهها.